BVC-Elvis

طباعة

عندما يكون الشجار ”أكثر من اللازم“

الخلافات بين الوالِدَيْن والأطفال

الشجار والخلافات مع الأطفال جزء من الحياة اليومية حتى بعد انتهاء مرحلة العناد. يتعلم الطفلُ من الخلافات الناشبة بين الوالِدَيْن والإخوة الكثيرَ عن نفسه وعن العلاقات مع الآخرين. كما أن الطفل يتعلم الدرس في سياق آمن — فعلاقته بوالِدَيْه تتحمل الهَزَّات والشجار! ولست ملزماً بوصفك ولي الأمر أن تتعامل مع كل موقف شجار التعاملَ الأمثلَ؛ لأن شعور الطفل بالانزعاج والغضب الشديد في وقت من الأوقات لن يضر به أو بالعلاقة. إلا أن بعض الأسر ينتهي بها المطاف أحياناً في احتلال الشجار القسط الأكبر من حياتها اليومية. فيرى بعض أولياء الأمور أنهم يتشاجرون ”فقط“ أو يرون أن الطفل دائم الغضب والمشاكسة أو يشعرون بأنهم منزعجون وغاضبون معظم الوقت. إنه أمر شاق ويستهلك الكثير من طاقة الجميع. وقد تشعر بوصفك ولي الأمر بالضغط النفسي بسبب عدم تمكنك من التعامل مع الأطفال والتساؤل عن سبب هذا الشجار الكثير بينكم.

للأطفال، مثلهم مثل الكبار، أمزجة مختلفة وتختلف قدراتهم على السيطرة على تنظيم مشاعرهم، فالبعض تنتابهم خيبة الأمل أسرع وبوتيرة أكثر من غيرهم في حين أن حبل صبر بعض الأطفال أطول. إن كان مزاج الطفل مُحْتَدّاً وتقلباته العاطفية شديدة فإن هذا يتطلب تفاعلاً أكثر من ولي الأمر خلال الأعوام التي ينضج فيها عقل الطفل ويتطور. كما أن لأولياء الأمور أمزجة مختلفة بطبيعة الحال وتختلف قدراتهم على المحافظة على هدوئهم في الحالات الصعبة. كما أننا نحمل تجاربنا من أيام الطفولة بشأن كيفية التعامل مع الأطفال وما هو المسموح. ولهذا فقد يتوصل والدا نفس الطفل إلى رؤية طفليهما بطريقتين مختلفتين نوعاً ما ويرغبان في التصرف بطريقتين مختلفتين نوعاً ما، وهو أمر قد يشكل تحدياً.

عندما يكون الشجار أكثر من اللازم

إن أصبحت الخلافات كبيرة جداً أو احتلت حيزاً كبير جداً في العلاقة أو اجتمع الأمران معاً فلا بد لولي الأمر أن يفكر للتوصل إلى سبلٍ للخروج من الدوامة السلبية. كشفت الأبحاث عن أن أكثر الأساليب فعاليةً من أجل خفض وتيرة العراك هو زيادة الاهتمام الإيجابي وقضاء أوقات لطيفة معاً. وتقول القاعدة: امنح الاهتمام الإيجابي خمسة أضعاف الاهتمام السلبي. ونحن نعلم أنه في حالة الأطفال الذين يتشاجرون أو يعاندون كثيراً أن العلاقة غالباً ما تكون عكس ذلك، أي أن الطفل يناله عدد أكبر من التنبيهات أو الاهتمام السلبي من عدد مرات تلقيه الاهتمام الإيجابي والثناء.

ويمكن النظر من منظورين إلى هذه النصيحة الأولى بخصوص الاهتمام الإيجابي. أحدهما هو حاجة الشخص لتعبئة رصيد علاقته بالطفل كي يتمكن الطفل من البدء في التعبير عن نفسه إيجابياً. لأن الطفل إن تعرض للكثير من التوبيخ أو التنبيهات فإن هذا في العادة يتجلى في ما يصدر عن الطفل. وإذا اعتبرنا رصيد العلاقة نوعاً من ”الصَرَّاف الآلي“ فلا بد لولي الأمر من أن يكون حسابه مليئاً خلال تلك المرات التي ”يسحب فيها من رصيده“، أي عندما يصبح ولي الأمر غاضباً ومغتاظاً أو يجب أن يأمر الطفل أو أن يوقفه. المنظور الآخر هو أن السلوك الذي سيحظى الطفل باهتمام الناس به سيتشجع. وهذا ينطبق على كل من السلوكيات السلبية والإيجابية. فالأمر الذي ترغب في مواصلة رؤيته مستقبلاً يجب تشجيعه من خلال الإشادة به ومدحه، في حين أن بإمكانك محاولة تجنب تشجيع السلوك السلبي من خلال عدم الإشادة به. كلمة ”لا“ أو ”لا تفعل ذلك“ البسيطة لا تكفي غالباً، بل ربما حتى لا تكفي بتشتيت انتباه الطفل أو التظاهر وكأننا لا نرى الشيء الذي يفعله الطفل. وقد يبدو غريباً أن يمتنع ولي الأمر عن إعطاء الأوامر بخصوص السلوكيات التي لا يرغب في رؤيتها، إذا يجب أن يتسلح ولي الأمر بأسلوب ناجع. وليس للتنبيهات في هذه الأوضاع ذلك الأثر البالغ على أي حال — ويمكنك دائماً أن تسأل نفسك: هل كان للاستراتيجية التي اعتدت على استخدامها فائدة؟

كي يستمتع ولي الأمر بتلك اللحظات اللطيفة مع طفله فيمكن تطبيق ”فرصة اللَّعِب اليومية“. وهذا يعني أن تترك أنت بوصفك ولي الأمر الطفلَ يقودك في لعبة لمدة معينة يومياً، حوالي ١٠–١٥ دقيقة للأطفال في سن ٣–٤ أعوام. وهذا يعود بالنفع على العرقة أكثر من قضاء وقت مكثف في الملاهي خلال عطلة نهاية الأسبوع! الكثير من أولياء الأمور يظنون أنهم ”ليسوا ماهرين في اللعب“ أو يرون أن اللعب ليس ممتعاً. ولكن ليس من الضروري أن تكون مولعاً باللعب أو تكون صاحب خيال فياض، اترك هذا الأمر للطفل. بل الأمر يدور حول مرافقة الطفل مدةً من الزمن في انشغال/لَعِب الطفل والإصغاء إليه والتحلي بالاهتمام. تخيل أنك مُعَلِّق كروي — ولكن ليس ذلك النوع المُحْتَدّ! — يعبر بالكلمات عمَّا تراه. وأن يحظى الطفل بنظرة والِدَيْه الدافئة والمهتمة لمدة قصيرة أمرٌ يَعُوْد بالأثر الطيب على ثقة الطفل بنفسه وعلى العلاقة. كما أنه قد يكون لهذا الأمر أثره البالغ على ضمير الوالِدَيْن المُثْقَل إن كانا يعلمان أن المرات التي رفضا فيها اللعب مع الطفل ستعوضها فرصة اللَّعِب اليومية. ضع في حسبانك أن هذه اللحظة تحديداً هي التي يديرها الطفل وأنك منقاد، وإلا فالعلاقة في الأغلب عكس ذلك. لذا لا تنتهز الفرصة لتعليم الطفل شيئاً بل استرخِ وانقاد فقط!

المزيد من النصائح الوقائية

قد يُعِيْن الوضوحُ في الحياة اليومية الأطفال المُحْبَطِيْن أيضاً. وتعلم أنت الطعام سيجهز بعد ١٠ دقائق، ولكن الطفل الغارق في بحر اللَّعِب أو برنامج التلفزيون ليس لديه أدنى فكرة وقد يصعب عليه الانتقال من حالة لأخرى. تحضير الطفل لإنهاء الأنشطة وما الذي سيجري قريباً بعد ذلك يكون في العادة عوناً كبيراً. وقد يرى ولي الأمر أحياناً أنه فعلاً قد حَضَّر الطفل، ولكنَّ الطفل ذا الأعوام الأربعة المشغول باللعب أمام التلفزيون لم يدرك هذا الأمر تماماً. تأكد من أنك على تواصل مع الطفل أثناء تحضيرك له تحضيراً واضحاً بدلاً من مناداته من المطبخ عدة مرات. أنواع المساعدة الأخرى بالنسبة للأطفال ذوي رد الفعل السلبي على التغيرات وعدم القدرة على التنبؤ قد تشمل وجود روتينات واضحة والقيام بالأمور بنفس الترتيب صباحاً ومساءً. يرسم البعضُ جداولَ ذات صور صغيرة لتوضيح ما الذي سيجري وهذا يثير ولع الكثير من الأطفال. وهذا يمنحهم فرصة الاطلاع على الوضع.

معرفة ما الذي يجب الالتزام يه قد يقلل من حاجة الأطفال أقوياء الإرادة للرغبة في السيطرة واتخاذ القرار في جميع الحالات. وقد يكون من المفيد في الوقت نفسه أن نفكر في الذي يمكنهم أن يقرروه. إضافةً إلى فرص اللَّعِب فإنه قد يُفسح المجال أمام الطفل أيضاً ليقرر ماذا سيرتديه، مثلاً من خلال تركه يختار أحد أمرين أو ترك الطفل يحدد الطعام في يوم من أيام الأسبوع.

كما أن الوضوح في الحياة اليومية قد يتعلق بعدم منح الطفل خيارات أكثر من اللازم! وقد يرغب أحد الوالِدَيْن في تسليط الضوء على إرادة الطفل وتعابيره، ولكن الأمر وبمنتهى البساطة قد يشكل عبئاً يَعْجَز الطفل عن اتخاذ موقف حياله وهو ذلك الطفل الصغير الواقع تحت كَمِّ هائل من الانطباعات والتحديات الاجتماعية بعد قضاء يوم في روضة الأطفال. وقد يكون من الأفضل أن تقول له ”فلنفعل الآن الآتي“ بدلاً من طرح الأسئلة الكثيرة عليه أو منحه الخيارات. كما أنه من الأوضح لاستيعاب الطفل والأسهل له أن يطلب أحد الوالدين منه فعل أمرٍ ما بدلاً من أن يطلب منه عدم فعل أمرٍ ما؛ إن كان هذا ممكناً. مثلاً عند إحضار الأطفال من روضة الأطفال: ”فلنذهب الآن إلى الحافلة وننطلق إلى المنزل“ بدلاً من ”عليك التوقف الآن عن الركض هنا وهناك في الحديقة“ أو السؤال الكلاسيكي ”هل سنذهب إلى المنزل الآن؟“.

التغلب على حالة الانفجار

إن اتبع ولي الأمر اتبع النصائح أعلاه فإن الشجار وحالات الانفجار تقل عادةً. ولكن أمزجة الأطفال مختلفة وبعض الأطفال يصعب عليهم التعامل مع حالات الإحباط وخيبة الأمل. فتصبح حالات الانفجار حادةً، وماذا يفعل ولي الأمر وقتها مع طفله الغاضب جداً؟

عندما يُصاب الأطفال بحالات انفجار حقيقية فيصعب غالباً التواصل معهم، على الأقل بالحديث والمنطق. ويمكننا هنا التحدث عن ”الانصهار“. فالطفل البالغُ ٤ أعوام الكفؤُ في وضعه الطبيعي والذي يتمتع بلغة متقدمة وقادر على التفكير والمحاججة ستختفي منه كفاءته عندما يُصاب بحالة انفجار. محاولة الوصول إلى الطفل بالكثير من الحديث عن سبب عدم التمكن من فعل شيء معين حالياً أو التهديد بالعواقب أو سؤال الطفل عمّا يرغب حقيقةً هي أمور لا تؤدي إلا إلى المزيد من الضغط النفسي وقد تتسبب في تمديد وقت الانفعال. ويرغب ولي الأمر في أن يتواصل مع الجانب المتعقل لدى الطفل، ولكن الطفل لا يمكنه أن يكون متعقلاً. ولكن المطالب تُلْهِب نيران الإحباط بدلاً من ذلك. وبإمكان الطفل البالغ ٤ أعوام التفكير تفكيراً أكثر تقدماً بكثير من الطفل البالغ ٣ أعوام، وهو أمر يخدع ولي الأمر. ولكن الأطفال البالغين ٤ أعوام لا يزالون بحاجة للكثير من الدعم. ومهمة ولي الأمر في خضم تدفق العواطف وحالة الانفجار هي إعانة الطفل على التحلي بالهدوء. وأسرع وسيلة لذلك هي أن يكون الوالد نفسه هادئاً وألّا يُكْثِر من الحديث. وقد يحتاج الوالد لإبعاد الطفل من الموقف الذي يخرب أو يتشاجر فيه، ولكن لا يصح ترك الطفل بمفرده. وبعض الأطفال يمكن حملهم بلطف فقد ينتابهم شعور بالاسترخاء بعد فترة أو الحزن بدلاً من الغضب. في حين أن بعض الأطفال الآخرين يتأزمون من وضعهم في حضن ولي الأمر. ومن الممكن وقتها الجلوس على مسافة مع إظهار مكانك له وأن تُدَنْدِن محاولاً تهدئة رَوْعِه أو أن تقول أنك تتفهم أنه يشعر بأن ظلماً وقع عليه. وقد تكون المحافظة على الهدوء أمر صعب جداً بطبيعة الحال! والكثير من أولياء الأمور يتفاجأون بتلك المشاعر الشديدة التي تنطلق في جَنَبَات الشخص وهو في حالة خلاف مع الطفل الصغير. وإن شعر الوالد بالغضب لدرجة أن هذا بدأ في تقوية شعلة الشجار فقد آن أوان دخول الوالد في خلوة «time-out» والابتعاد والتنفس لفترة من الوقت. وإن كان كلا الوالِدَيْن موجودين فيمكنك أن تطلب من الآخر أن يتدخل.

من الممكن أحياناً عند انتهاء حالة الانفجار التحدث عن الخطأ الذي وقع وربما تفسير ما الذي جرى. إلا أن هذا ليس ضرورياً في الأغلب. فالطفل يعلم ما المطلوب منه، ولكنه لم يتمكن من كبح جماح نفسه أو تهدئتها. وبإمكان ولي الأمر بدلاً من ذلك التفكير فيما إذا كان من الممكن تجنب الحالات المماثلة مستقبلاً. ولا يصح في الوقت نفسه أن يكون هدفنا هو تجنب جميع الأوضاع التي قد تتضمن احتمالية نشوب الشجار وحالات الانفجار! فهذا معناه أن يُحَمِّل ولي الأمر نفسه أموراً لا يطيق تنفيذها وهذا ليس الغرض! ويجب أن نتذكر أن الشجار وحالات الانفجار جزءان من الحياة. أن يغضب الأطفال غضباً شديداً ليس أمراً خطيراً أو مضراً — فمحاولة التعبير عن المشاعر أمر يقوم به الإنسان في علاقاته التي لا يخشى عليها. ولا يتعلق نمو الطفل بشعوره بالغضب أو الحزن أو خيبة الأمل بل بتعلمه أن يفهم مشاعره وتعلمه أنها ليست خطيرة وأن الوضع سيصبح جيداً مرة أخرى. وهذه أمور سيتعلمها الطفل إن واجهه ولي أمر أكبر وأعقل وحاضر في حياته.

ما الذي يؤثر على الطفل

إضافةً إلى اختلاف أمزجة الأطفال وأن الأطفال سريعي الغضب الذين تفوق طلباتهم من أولياء الأمور طلبات غيرهم فهناك بطبيعة الحال أمور أخرى لها دور هي أيضاً. فالأطفال مُرْهَفو الإحساس أمام صحة الوالِدَيْن ويتفاعلون إن كانت صحة أحد الوالِدَيْن ليست على ما يرام أو إن كانت هناك مشاكل في الأسرة. وقد يكون من اللازم على ولي الأمر البدء بإعانة نفسه كي يعين الطفل. فلربما كانت هذه الأسرة تحتاج المزيد من العون والتخفيف عنها؟ كما أن التغييرات مثل الانتقال إلى منطقة أخرى أو تبديل روضة الأطفال أو مجموعة روضة الأطفال قد تكون مُضْنِيَة بالنسبة للأطفال. إن كان الوضع في روضة الأطفال مضطرباً أو إن كان الموظفون يتبدلون كثيراً أو غير ذلك فهذه أمور قد تؤثر أيضاً. وبإمكانك التفكير بوصفك أحد الوالِدَيْن في ما الذي جرى قبل حالات الانفجار وفي أي السياقات تحدث. وببساطة، ما الذي ينتاب الطفل؟

الاتباع والانقياد

مرافقة الطفل وإرشاده من النقاط الأساسية في دور الأمومة/الأبوة. وقد يكون التوازن بينهما صعباً — متى يجب على الوالد أن بنقاد للطفل ومتى عليه أن يقوده؟ فولي الأمر يقود الطفل الصغير طوال الوقت حتى وإن كان هذا الأمر يجري بكل دقة انطلاقاً من احتياجاته. وكلما كبر الطفل كان أكثر قدرة على التعبير عن إرادته واهتماماته. والطفل بحاجة لأن يكون موضع رؤية الغير وتأكيدهم له في مرحلة النمو هذه. إلا أن الوالد يقدم للطفل خدمةً جليلةً إن كان يرى أن الطفل قادر على ممارسة قَدْر كبير من القيادة. لأن قيادةَ الطفلِ للمرور بالحياة اليومية وجميع المواقف الصعبة ووضعَ الحدودِ أمران يعنيان توفير الحماية وتحمل المسئولية. ومثل أن ولي الأمر يمسك بيد الطفل عند قطع الطريق المزدحم بالحركة المرورية سواء شاء ذلك أم لا أو إيقاف الطفل عند رغبته حمل أخيه المولود حديثاً من رأسه فلا بد للوالد من التدخل بنفس الطريقة البديهية من التحكم في الطفل عند إحضاره من روضة الأطفال أو موعدَ ذهابه إلى السرير. فالتوجيه لا يعني التحاور والأمل في التوصل إلى اتفاق مشترك بل يعني الانطلاق من احتياجيات الطفل عند تحديد ما الذي سيقوم به. وبدلاً من ذلك فإن الطفل قد يقودك أثناء اللعب أو في الحالات التي يمكن ذلك فيها والتي جرى تكييفها لما يقدر الطفل على إنجازه.

أسئلة للتفكر فيها

وأخيراً، إليك بعض الأسئلة للتفكير فيها إن وجد ولي الأمر نفسه قد محاصراً بالكثير من الشجار و«النق»: